أشخاص سعدي الكعبي (1937) التي اعتاد على تقديمها في اعماله الفنية بصورتها المتقشفة والمطلقة, تؤكد اختياراته وثباته على نسق ميزه في المحترف العراقي. وجعل من اسلوبه حاله جوهرية حملته الى العديد من الاماكن والصالات بدءا من بغداد فروما وباريس ونيويورك وموسكو واستوكهولم ولندن وبكين وانقره وبراغ وسواها من العواصم الدولية. وبالاضافة الى العواصم العربية التي شهدت ذات المضامين الانسانية العميقة لانسان الصحراء الذي حمل قيم ومبادئ انتماءه, في الوقت الذي يعاني فيه كثيرا من الاعتداءات والمحاصرات والاستلابات والقهر, وكل ما يهدد صيرورته الانسانية.
حقق ذلك بكثير من الاهتام بهذه الاشخاص ذات المرجعيات الحضارية لوادي الرافدين. وذاكرة البشر المتوقدة التي يحققها الكعبي بحضور عال للجسد في عراء الروحي وعزلته الآسرة, وبألوان شفافه يستهلها من معاني الصحراء وخيالها الابدي وعزلة مرتاديها.. ومن بابل المتناثرة في المعارف والاقاويل والتاريخ وفضاءات الحاضر.
لقد حقق الكعبي تجاوزات مهمة على مستوى التقنية, مما ساعد كثيرا في ايصال افكاره بشفافية وبساطة الى المتلقي. ناقلا تأملاته في الانسان بعمق محتواها التأليفي. واحتضانه للحضات الاكثر حساسية في كل مرحله من مراحل اشتغاله الجمالي, والتي تضمنت لا شك القلق والتردد للوصول الى حلول تعيد صياغة الفضاءات التي ابدعها, سعيا الى استقرار ليربطها بما تحتويه من كتل بشرية, وآفاق محملة بالمفاهيم والافكار عن غموض الانسان ومتاهاته التي عاشها جلجامش من قبل في بحثه عن الخلود.. لهذا يشير سعدي بالقامة الانسانية بمعناها الرمزي, وبشفافية تضهر الخطوط من خلفها, وتحقق توليدا حركيا مؤثرا يغنيه عن الذوبان في عوالم تجريدية محضه كانت تلح على الفنان فيما سبق, كحال ما قدمته الصحراء منم صمت وعطش وتأمل.
حين عرض الكعبي مشاركته في ترينالي الهند الخامس 1982 كتب شاكر حسن: "سيعرض سعدي الكعبي رسوما ذات مضامين انسانية, يحاول من خلالها شكليا ان يوسع المعنى الانساني, مستخدما قيما هامة, مثل الشفافية, والحركة الخطية, وبساطة الالوان فكانه في رؤيته هذه يمثل صيرورة الانسان المعاصر في الحياة, ككائن مادي وروحي في آن واحد".. وفي عام 1986 يكتب جميل حمودي حول استلهام الكعبي للكتابة والخط العربي: "وجد الفنان في الحرف معينا غنيا يروي عطشه التعبيري عندما يريد اللجوء الى التجرد, والحرف تجرد عن المعنى", ويرى الحمودي بأن سعدي يذهب ابعد من هذا المنطلق ليصل الى حد أن قيمة الخط في تحديد الاشكال الانسانية وغيرها, وهي ذاتها تكاد تصبح اقرب الى الكتابة "وهو يكتب الرؤى والمعاني معتمدا على التناسق باغناء المادة التشكيلية, والوصول بها الى نوع جديد من الشاعرية والتنغيم الموسيقي".
طلال المعلا
2009